فصل: الشاهد الموفي العشرين بعد الخمسمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.استيلاء نور الدين توران شاه بن أيوب على بلاد النوبة ثم على بلاد اليمن.

كان صلاح الدين وقومه على كثرة ارتيابهم من نور الدين وظنهم به الظنون يحاولون ملك القاصية عن مصر ليمتنعوا بها أن طرقهم منه حادث أو عزم على المسير إليهم في مصر فصرفوا عزمهم في ذلك إلى بلاد النوبة أو بلاد اليمن وتجهز شمس الدولة توران شاه بن أيوب وهو أخو صلاح الدين الأكبر إلى ملك النوبة وسار إليها في العساكر سنة ثمان وستين وحاصر قلعة من ثغورهم ففتحها واختبرها فلم يجد فيها خرجا ولا في البلاد بأسرها جباية وأقواتهم الذرة وهم في شظف من العيش ومعاناة للفتن فاقتصر على ما فتحه من ثغورهم وعاد في غنيته بالعبدى والجواري فلما وصل إلى مصر أقام بها قليلا وبعثه صلاح الدين إلى اليمن وقد كان غلب عليه علي بن مهدي الخارجي سنة أربع وخمسين وصار أمره إلى ابنه عبد النبي وكرسي ملكه زبيد منها وفي عدد ياسر بن بلال بقية ملوك بني الربيع وكان عمارة اليمنى شاعر العبيدي وصاحب بني رزيك من أمرائهم وكان أصله من اليمن وكان في خدمة شمس الدولة ويغريه به فسار إليه سنة شمس الدولة بعد أن تجهز وأزاح العلل واستعد للمال والعيال وسار من مصر منتصف سنة تسع وستين ومر بمكة وانتهى إلى زبيد وبها ملك اليمن عبد النبي بن علي بن مهدي فبرز إليه وقاتله فانهزم وانحجر بالبلد وزحفت عساكر شمس الدولة فتسنموا أسوارها وملكوها عنوة واستباحوها وأسروا عبد النبي وزوجته وولى شمس الدولة على زبيد مبارك بن كامل بن منقذ من أمراء شيزركان في جملته ودفع إليه عبد النبي ليستخلص منه الأموال فاستخرج من قرابته دفائن كانت فيها أموال جليلة ودلتهم زوجته الحرة على ودائع استولوا منها على أموال جمة وأقيمت الخطبة العباسية في زبيد وسار شمس الدولة توران شاه إلى عدن وبها ياسر بن بلال كان أبوه بلال بن جرير مستبدا بها على مواليه بني الزريع وورثها عنه ابنه ياسر فسار ياسر للقائه فهزمه شمس الدولة وسارت عساكره إلى البلد فملكوها وجاؤا بياسر أسيرا إلى شمس الدولة فدخل عدن وعبد النبي معه في الإعتقال واستولى على نواحيها وعاد إلى زبيد ثم سار إلى حصون الجبال فملك تعز وهي من أحصن القلاع وحصن التعكر والجند وغيرها من المعاقل والحصون وولى على عدن عز الدولة عثمان بن الزنجبيلي واتخذ زبيد سببا لملكه ثم استوخمها وسار في الجبال ومعه الأطباء يتخير مكانا صحيح الهواء للسكنى فوقع إختيارهم على تعز فاختط هناك مدينة واتخذها كرسيا لملكه وبقيت لبنيه ومواليهم بني رسول كما نذكره في أخبارهم والله تعالى ولي التوفيق.

.واقعة عمارة ومقتله.

كان جماعة من شيعة العلويين بمصر منهم عمارة بن أبي الحسن اليمني الشاعر وعبد الصمد الكاتب والقاضي العويدس وابن كامل وداعي الدعاة وجماعة من الجند وحاشية القصر اتفقوا على استدعاء الإفرنج من صقلية وسواحل الشام وبذلوا لهم الأموال على أن يقصدوا مصرفان خرج صلاح الدين للقائهم بالعساكر ثار هؤلاء بالقاهرة وأعادوا الدولة العبيدية وإلا فلا بد له إن أقام من بعث عساكره لمدافعة الإفرنج فينفردون به ويقبضون عليه وواطأهم على ذلك جماعة من أمراء صلاح الدين وتحينوا لذلك غيبة أخيه توران شاه باليمن وثقوا بأنفسهم وصدقوا توهماتهم ورتبوا وظائف الدولة وخططها وتنازع في الوزارة بنو رزيك وبنو شاور وكان على بن نجي الواعظ ممن داخلهم في ذلك فأطلع صلاح الدين هو في الباطن إليهم ونمى الخبر إلى صلاح الدين من عيونه ببلاد الإفرنج فوضع على رسول الله عنده عيونا جاؤه بحلية خبره فقبض حينئذ عليهم وقل إن علي بن نجي أنمى خبرهم إلى القاضي فأوصله إلى صلاح الدين ولما قبض عليهم صلاح الدين أمر بصلبهم ومر عمارة ببيت القاضي وطلب لقاءه فلم يسعفه وأنشد البيت المشهور:
عبد الرحيم قد احتجب ** أن الخلاص هو العجب

ثم صلبوا جميعا ونودي في شيعة العلويين بالخروج من ديار مصر إلى الصعيد واحتيط على سلالة العاضد بالقصر وجاء الافرنج على ذلك من صقلية إلى الإسكندرية كما يأتي خبره إن شاء الله تعالى والله أعلم.

.وصول الإفرنج من صقلية إلى الإسكندرية.

لما وصلت رسل هؤلاء الشيعة إلى الإفرنج بصقلية تجهزوا وبعثوا مراكبهم مائتي أسطول للمقاتلة فيها خمسون ألف رجل وألفان وخمسمائة فارس وثلاثون مركبا للخيول وستة مراكب لآلة الحرب وأربعون للازواد وتقدم عليهم ابن عم الملك صاحب صقلية ووصلوا إلى ساحل الإسكندرية سنة سبعين وركب أهل البلد الأسوار وقاتلهم الإفرنج ونصبوا الآلات عليها وطار الخبر إلى صلاح الدين بمصر ووصلت الأمراء إلى الإسكندرية من كل جانب من نواحيها وخرجوا في اليوم الثالث فقاتلوا الإفرنج فظفروا عليهم ثم جاءهم البشير آخر النهار بمجيء صلاح الدين فاهتاجوا للحرب وخرجوا عند اختلاط الظلام فكبسوا الإفرنج في خيامهم بالسواحل وتبادروا إلى ركوب البحر فتقسموا بين القتل والغرق ولم ينج إلا القليل واعتصم منهم نحو من ثلثمائة برأس رابية هنالك إلى أن أصبحوا فقتل بعضهم وأسر الباقون وأقلعوا بأساطيلهم راجعين والله تعالى أعلم.